DAO 2.0: ما هي الخطوة التالية للحكم اللامركزي؟

المؤلف: كورت واطكنز، المصدر: كوينديسك، الترجمة: شاو 金色财经

تمثل المنظمات المستقلة اللامركزية (DAO) أحلام العملات المشفرة الأكثر راديكالية: اللامركزية التامة، والابتكار المدفوع من المجتمع، والرفض الشامل لهياكل السلطة التقليدية في الشركات. ومع ذلك، حتى أكثر الثورات راديكالية، غالباً ما تعود إلى مجالات مألوفة.

لنأخذ في الاعتبار مجتمع أونيدا (Oneida Community) الذي نشأ في القرن التاسع عشر في منطقة نيويورك الشمالية الخلابة، وهو جماعة يوتوبية أسسها جون همفري نويز (John Humphrey Noyes) الساحر، والتي تخلت بشكل قاطع عن الملكية الخاصة، وطبقت الزواج المعقد (الذي يشبه مجتمعات تبادل الشركاء)، واتبعت نهج اتخاذ القرارات الجماعية سعياً وراء الكمال الروحي. يتبنى مجتمع أونيدا روح الليبرالية، ويسعى بلا خجل وراء المتعة، وهو ما يتماشى مع الحماس غير المقيد تقريباً للفوضوية في ثقافة العملات المشفرة المبكرة.

لكن للمثالية أيضًا حدودها. مع توسع حجم المجتمع وزيادة الطموحات، وقع في صراعات داخلية، وتورط في نزاعات قانونية، وأصبح هدفًا لغضب المجتمع. في مواجهة تهديدات البقاء، تطور مجتمع أونايدا ليصبح منظمة أكثر تنظيمًا وواقعية: شركة مجتمع أونايدا، التي تُعرف اليوم بمنتجاتها الفضية الرائعة. على الرغم من أن هذا التحول ضحى ببعض الحماسة الثورية مقابل الاستقرار، إلا أن هذا التغيير جلب اتجاهًا واضحًا، وتماسكًا قانونيًا، واستدامة - وهي جميعها عناصر رئيسية للنجاح المستدام.

كمحامي يقدم الاستشارات القانونية لشركات blockchain منذ عام 2016، شهدت تطورًا مذهلاً مشابهًا. في البداية، وعدت المنظمات المستقلة اللامركزية (DAO) بالتخلص من الهياكل التقليدية للشركات، وعملت بجد على تعزيز نماذج الحوكمة اللامركزية تمامًا. ومع ذلك، تمامًا مثل أونيدا، مع توسع هذه المشاريع واندماجها في نظم الاقتصاد الأوسع وسيناريوهات التطبيقات العملية، واجهت نماذج الحوكمة اللامركزية البحتة مشاكل في القابلية للتوسع، وانخفاض الكفاءة، وتعقيدات قانونية. لم يكن هذا التحول الحتمي نحو نماذج الحوكمة الهيكلية تخلًا عن المبادئ الأساسية للعملات المشفرة، بل كان تكيفًا ضروريًا ونضجًا.

مع تزايد تداخل تقنية البلوكتشين مع الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية الأوسع، أصبحت هذه التطورات أكثر أهمية. مع تحول العملات المشفرة إلى جزء أساسي من التمويل اليومي وسلاسل الإمداد وأنظمة الهوية الرقمية وحتى مشاريع البنية التحتية الوطنية، تتزايد الحاجة إلى حوكمة يمكن التنبؤ بها وشرعية وشفافة. يحتاج القطاع إلى تحقيق التوازن بين الأطر الهيكلية اللازمة للعمل بفعالية في بيئات اجتماعية معقدة والمثل العليا.

تعد الوظائف الأساسية لتكنولوجيا البلوكشين، مثل الشفافية، والقرارات المعتمدة على الرموز، وتحفيز المشاركة المجتمعية، والسجلات الحاكمة التي لا يمكن تغييرها، ليست فقط جديرة بالحفاظ عليها، ولكن إذا تم دمجها بمهارة في نماذج الحوكمة الهيكلية، يمكن أن توفر ميزة تنافسية ملحوظة.

يمكن أن تعزز هذه الخصائص الثقة، وتعزز المشاركة، وتحسن القدرة على التكيف، ولكن لا يمكن تحقيق كامل إمكاناتها إلا بالاقتران مع المساءلة الواضحة، وتحديد الأدوار بوضوح، والتوافق مع القوانين. المفتاح ليس الاختيار بين اللامركزية والبنية، بل إيجاد التوازن الذي يمكن أن يحفز الابتكار المدفوع من المجتمع، ويضمن أن المشاريع يمكن أن تتوسع، وتحافظ على الامتثال، وتعمل بشكل مستدام.

مثال على MakerDAO

تسلط التطورات الداخلية الأخيرة في MakerDAO (التي أعيدت تسميتها الآن بـ "Sky") الضوء على أنه حتى في المشاريع التي تجسد مفهوم المنظمة المستقلة اللامركزية (DAO) في بداياتها، قد تظهر حالات من تركيز السلطة. على الرغم من أن Maker كانت تعمل كقدوة في مجال التمويل اللامركزي (Defi) لفترة طويلة، إلا أن القلق يزداد مع تركز السلطة بشكل متزايد في أيدي قلة من القادة والممثلين، خاصة بعد الموافقة المثيرة للجدل على إعادة تسمية Sky.

يعتقد النقاد أن حقوق التصويت في هذه الاتفاقية قد تم تركيزها بشكل كبير، مما يضر بمبدأ اتخاذ القرار الجماعي. تشير هذه التغييرات إلى كيف أن تعقيد العمليات، ولامبالاة الناخبين، والسيطرة البيروقراطية التقنية تتسلل تدريجياً من الداخل إلى اللامركزية، مما يجعل الحكم الهيكلي والهرمي ليس فقط حاسماً للشفافية والاستدامة، بل قد يكون أيضاً لا مفر منه.

مثل Sky، أصبحت طريقة تشغيل العديد من DAOs مركزية للغاية، وهناك انقسامات بين أصحاب المصلحة. التحدي الآن هو الاعتراف بهذه الحقيقة وتصميم هيكل يمكنه تحقيق التوازن بين آراء المجتمع وضمان أن تكون القيادة مسؤولة وفعالة.

يواجه مؤسس NFT الشهير "نادي القرد الممل" (Bored Ape Yacht Club) شركة Yuga Labs مشكلات مماثلة تتعلق بالتصويت المركزي وحملة الأسهم الصغيرة. بسبب الكفاءة التشغيلية المنخفضة، وانخفاض مشاركة الناخبين، وتحديات الحوكمة، اقترحت الشركة مؤخرًا حلّ منظمة ApeCoin DAO. وصف الرئيس التنفيذي Greg Solano حوكمة ApeCoin DAO بأنها "بطيئة وصاخبة وغالبًا ما تكون غير جدية بما فيه الكفاية"، وأكد على ضرورة اعتماد نموذج شركة منظم يُدعى ApeCo لتحقيق تقسيم أكثر وضوحًا للمسؤوليات وعمليات اتخاذ قرار أكثر كفاءة.

يحتفظ ApeCo بحوكمة الرموز المميزة التشاركية، ولكنه يضعها في إطار مؤسسي أكثر وضوحًا، وهو ما يتماشى مع كيفية احتفاظ أونيدا ببعض جوانب مفهوم التعاون الخاص بها ضمن كيان قانوني منظم.

دي سنترالاند كانت في البداية تدعو إلى حوكمة لامركزية خالصة، لكنها تواجه أيضًا مشاكل مماثلة، مثل إرهاق الناخبين، وانخفاض مستوى المشاركة، وتركز السلطة بين المتبنين الأوائل. مؤخرًا، تستكشف مجتمعها بنشاط إصلاحات الحوكمة، بما في ذلك تشكيل لجنة حوكمة ولجنة تنفيذية، مع ضمان وضوح وكفاءة الحوكمة، مع الحفاظ على الشفافية ومشاركة المجتمع.

لا يزال الوضع القانوني للـ DAO فيما يتعلق بالرقابة على الأوراق المالية والالتزامات الائتمانية والمسؤوليات غير واضح حتى الآن. تميل مشاريع blockchain بشكل متزايد إلى قبول الأطر القانونية الأكثر وضوحًا والإرشادات المستمرة التي تقدمها لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) والهيئات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي (مثل إعلان لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية بشأن الرهانات المضمونة أو لوائح سوق الأصول المشفرة في الاتحاد الأوروبي (MiCA)). توفر مثل هذه الأطر اليقين القانوني الذي تشتد الحاجة إليه، مما يقلل من مخاطر الامتثال ويعزز الثقة بين أصحاب المصلحة الرئيسيين.

إن تطور العملات المشفرة نحو الحوكمة الهيكلية يشبه تحول أونايدا. الحوكمة الفعالة ووضوح المساءلة أمران حاسمان للنجاح المستدام والقبول الواسع. على الرغم من أن العناصر اللامركزية لا تزال ضرورية ومفيدة وفريدة، فإن دمج نماذج الحوكمة الهيكلية سيمكن شركات البلوكشين من تحقيق استقرار أفضل وقابلية للتوسع واندماج اجتماعي أوسع.

تشير التحولات نحو حوكمة أكثر تنظيمًا في مجال العملات المشفرة، مثل تكيف أونايد، إلى خطوة مهمة نحو الاستدامة الفعلية. وهذا لا يعني التخلي عن المفاهيم الأساسية للبلوكشين، بل يضمن استمرار هذه التقنيات الثورية ذات الصلة والقدرة على الصمود والفعالية في بيئات اقتصادية واجتماعية معقدة.